رغم أن صوتا واحدا لم يدل به بعد في الانتخابات السودانية, فإن جماعات الضغط الدولية والمعارضين المحليين للحكومة السودانية الحالية ما فتئوا يزدرون العملية برمتها, وهذا سابق لأوانه, فضلا عن كونه يغفل حقيقة الأمور, حسب ما جاء في مقال لنائب رئيس تحرير صحيفة غارديان البريطانية.
فسايمون تيسدال -الذي يرى أن تلك الانتخابات لن تكون مثالية- أكد في مقاله أن دوافع هجوم الإدانة الذي يشن عليها تعددت بتعدد أجندات المهتمين بالشأن السوداني خارجيا وداخليا.
فعلى الصعيد الخارجي يعتقد تيسدال أن كبير المدعين في المحكمة الجنائية الدولية لويس مورنو أوكامبو هو أحد أشد منتقدي هذه الانتخابات, إذ يرى أن إرسال مراقبين من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي للإشراف على هذه الانتخابات مضيعة للوقت، ولا يختلف عن إرسالهم لـ"مراقبة انتخابات هتلر".
ويستعرض الكاتب تحت عنوان "لا تزدروا انتخابات السودان" موقف جماعات الضغط الدولية المعنية بدارفور ودعوتها لرفض هذه الانتخابات التي "لا تعدو كونها مجرد محاولة من الرئيس السوداني عمر حسن البشير لإضفاء الشرعية على موقفه أمام المجتمع الدولي", حسب العضو في منظمة "ويدجينغ بيس" صوفي ماكان.
رئيس حكومة الجنوب السوداني تظله أعلام الجنوب وفي الخلفية علم سوداني كبير (الفرنسية)
لكن تيسدال يلفت الانتباه إلى أن اهتمام أوكامبو والجماعات المعنية بدارفور كان منصبا أولا وقبل كل شيء على الثأر لدارفور وتقديم البشير لمحكمة لاهاي, وكل القضايا المتعلقة بالحكم الديمقراطي بالسودان وبتطبيق اتفاق نيفاشا للسلام الشامل (2005) الذي وضع حدا للحرب بين شمال وجنوب السودان تأتي بالنسبة لهم في الدرجة الثانية.
أما ما قدمته الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحكم الجنوب السوداني من مبررات لمقاطعة الانتخابات في دارفور وفي شمال السودان, فإن مراقبي الشأن السوداني يرون أنها غير جادة، وأن ما يهم تلك الحركة هو التأكد من عدم تأجيل الاستفتاء على استقلال الجنوب الذي يزمع إجراؤه في يناير/كانون الثاني القادم، ويتوقع –على نطاق واسع- أن يؤدي إلى انفصال جنوب السودان عن شماله.
فالاتفاق الضمني بين البشير والحركة الشعبية, حسب تيسدال، لم يعد يخفى على أحد، ويقضي بإعادة انتخاب البشير وإعادة الشرعية له مقابل استقلال الجنوب الذي يضم 25% من سكان السودان و50% من نفطه.
وهو ما يرى فيه الكاتب تضافرا دقيقا بين الانتهازية والبرغماتية السياسيتين, ولذا فإنه لا الحكومة تبدو مهتمة بقرار الحركة الشعبية مقاطعة الانتخابات، ولا الحركة تبدو منزعجة من تداعيات قرارها الأحادي الجانب على التنسيق الذي كانت تحافظ عليه مع أحزاب المعارضة السودانية.
أما واشنطن ولندن فما يهمهما هو ضمان اتفاق الجنوبيين والشماليين على ترسيم الحدود بينهما، وتقاسم عائدات النفط، وتسوية المشاكل في مناطق ساخنة كآبيي وجنوب كردفان, ناهيك عن نجاح الاستفتاء على استقلال الجنوب, خاصة أن واشنطن بالذات ترى في دولة بجنوب السودان حليفا مهما لها في المنطقة.
أما التنبؤ بأن الانتخابات السودانية لن تختلف عن مثيلتها الأفغانية من حيث الإخفاق والاتهامات المضادة بالتزوير, فهو مناف للواقع حسب تيسدال, خاصة أن هذه الانتخابات ليست بالنسبة للاعبين الأساسيين خارج وداخل السودان سوى الخطوة الأولى في مشوار طويل